وفي السماء رزقكم وما توعدون
بقلم الدكتور:زغـلول النجـار
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سورة الذاريات بقسم عظيم بأربع من آيات الله في الكون ــ والله تعالي غني عن القسم لعباده ــ بأن وعده لصادق, وأن الدين الإسلامي الذي أنزله علي فترة من الرسل, والذي أتمه وأكمله في بعثة خاتم أنبيائه ورسله صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين لحق واقع....!!!
ثم يكرر ربنا( سبحانه وتعالي) القسم بالسماء ذات الحبك علي أن الناس مختلفون في أمر يوم الدين بين مكذب ومصدق, وتستعرض الآيات حال كل من المجموعتين في هذا اليوم العصيب, ثم تعود إلي الاستدلال بآيات الله في كل من الأرض والأنفس والآفاق ومنها قول الحق( تبارك وتعالي):
وفي السماء رزقكم وما توعدون
ثم يأتي القسم الحاسم الجازم برب السماء والأرض ان هذا كله حق, كما ينطق المنكرون في هذه الحياة الدنيا, وهم يدركون حقيقة ما ينطقون, فلا يجوز لهم أن يشكوا فيه أو أن ينكروه كما لا يشكون في نطقهم الذي ينطقون...!!
وبعد ذلك تتحرك بنا السورة إلي عرض شيء من الوقائع التاريخية من قبيل ضرب المثل, واستخلاص العبر, والدعوة إلي إخلاص العبادة لله وحده( بغير شريك ولا شبيه ولامنازع), وذلك من مثل قصص سيدنا إبراهيم( عليه السلام) مع ضيفه وقومه, وسيدنا لوط( عليه السلام) وما حاق بقومه من عذاب, وسيدنا موسي( عليه السلام) وفرعونه الذي أغرقه الله( تعالي) وجنده في اليم, وقوم عاد وطمرهم بالرمال السافية, وقوم ثمود الذن دمروا بالصاعقة, وقوم نوح( عليه السلام) الذين أغرقوا بالطوفان لفسقهم...!!
وتعاود السورة الكريمة القسم بالسماء وتوسيع الله المستمر لها, وبالأرض وفرشها وتمهيدها, وخلق كل شيء من زوجين تأكيدا لوحدانية الله( تعالي) المطلقة فوق جميع خلقه..!!!
ثم تعرج بنا السورة إلي حقيقة أن كل رسول جاء بالحق من رب العالمين قد اتهمه الكفار من قومه بالسحر أو بالجنون ظلما وطغيانا من عند أنفسهم, وفي ذلك مواساة من رب العباد الذي يطالب خاتم أنبيائه ورسله بالاستمرار في التذكير بالله, والدعوة إلي دينه الحق علي الرغم من كل ذلك, لعل الذكري تنفع المؤمنين.
والهدف من هذا الاستعراض المكثف لآيات الله في الكون, والاستعراض الخاطف لقصص عدد من الأمم البائدة هو وصل العباد بخالقهم, وربط قلوبهم بعوالم الغيب, كما يصفها خالق الكون ومبدع الوجود لا كما تتصورها أوهام الغافلين الضالين من الكفار والمشركين.
والذي يرتبط قلبه بخالقه, ويؤمن بالغيب, كما أنزله في محكم كتابه, وسنة نبيه, تخطي الدنيا الي الاخرة, دون أن يهمل واجباته في الحياة, ودون أن تشغله التكاليف المادية لهذه الحياة عن إخلاص العبادة لله, وفي مقدمة تلك التكاليف الجري علي المعايش لكسب الرزق الحلال, والذي قد يتخيل البعض أنه يمكن أن يشغل الإنسان عن رسالته الحقيقية في هذه الحياة والتي تتلخص في:
عبادة الله( تعالي) بما امر, وحسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض, وهما وجهان لعملة واحدة تمثل رسالة كل من الجن والإنس في هذه الحياة, والتي لخصها ربنا( تبارك وتعالي) في السورة نفسها بقوله( عز من قائل): وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون* ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون* إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين*.
(الذاريات:56 ــ58).
هذا وقد تباينت آراء المفسرين في قول الحق( تبارك وتعالي)
وفي السماء رزقكم وما توعدون*.
بين قائل بالمطر, وقائل بالقرار الإلهي في تقسيم الرزق وتوزيعه بين العباد, وقائل بالثواب والعقاب أو بالجنة والنار, أو بها جميعا ولكن الدراسات الكونية الحديثة قد اضافت بعدا جديدا, فأكدت أن جميع ما يحتاجه الإنسان والحيوان والنبات من الماء, ومن مختلف صور المادة والطاقة إنما ينزل إلي الأرض من السماء بتقدير من الرزاق الحكيم العليم الذي ينزله بقدر معلوم لقوله( عز من قائل):
ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن: ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير*( الشوري:27)
ولقوله( سبحانه)!
وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم*.( الحجر:21)
رزق السماء في اللغة العربية